بقلم المهندس/ طارق بدراوى
حى الأزبكيه حى قديم من أحياء مدينة القاهره عاصمة مصر بناه الأمير سيف الدين أزبك أتابك الجيش المصرى فى عهد السلاطين الظاهر تمربغا والأشرف قايتباى من سلاطين الدولة المملوكية وهذا المنصب يعني أنه كان القائد العام للجيوش المصرية فتم تسمية الحي نسبة إلي إسمه أزبك فأطلق عليه إسم الأزبكية وقد قاد الأمير أزبك جيش مصر فى معارك عديدة ضد الأتراك وهزمهم في آسيا الصغرى فى عدة معارك منها معركة أدنة ولقد شهدت مصر في عصر دولة المماليك نهضة عمرانية كبيرة حيث تم بناء العديد من المباني الخالدة مع الزمن مثل مجموعة السلطان قلاوون ومجموعة السلطان قايتباى ومجموعة السلطان قنصوة الغورى ومسجد ومدرسة السلطان حسن وغيرها كما تم خلاله إنشاء مناطق وأحياء جديدة كان منها حي الأزبكية الذى نتكلم عنه والذى كان شاهدا علي العديد من الأحداث التاريخية التي مرت بها مصر ……
وكانت المنطقة التي تم بناء حي الأزبكية مكانها فى الأصل منطقه إسمها مناظر اللوق وكان بها عمران وبساتين وخليج إسمه خليج الذكر كان الناس يتنزهون علي شاطئه وبقيت علي هذا الحال حتي عام 1257م ولما حفر السلطان الناصر محمد بن قلاوون الخليج الناصرى سنة 1324م جف خليج الذكر ونضبت منه المياه ومع مرور السنين تحولت المنطقة إلي منطقة قاحلة جرداء تغطيها الرمال والتلال وقام البعض بحفر بركة وأوصلوها بالخليج الناصرى فكانت تمتلأ بالمياه في زمن الفيضان ويتم إستعمالها في زراعة البرسيم و الشعير كما كان بالمنطقة مقامات لأولياء يعتقد العامة في كراماتهم ويداومون علي زيارتهم منها مقام سيدى عنتر ومقام سيدى وزير وكان يوجد بالمنطقة أيضا جامع قديم متهدم إسمه جامع الجاكى وقد بدأ بناء حي الأزبكية فى عام 1475م فى عهد السلطان الأشرف قايتباى عندما لفتت المنطقة نظر الأمير أزبك الذى كان يسكن علي مقربة منها فقررأن يعمرها فمهد بها الأرض وسوى التلال وجلب إليها مواشي ومحاريث وقام بزراعة أنواع عديدة من الشجر وقام بتعميق البركة وشيد على طولها رصيف من الحجارة ليتخذه الناس ممشى للتنزه والفسحة وأقام أيضا متنزها رائعا حولها حمل إسمه وأنشأ بالمنطقة دور وبيوت وطواحين وأفران وبذل جهدا مضنيا وأنفق عليها مالا كثيرا بلغ حوالي 100 ألف دينار إلي أن تحولت إلي منطقة حدائق وبساتين بعد أن كانت منطقة مهجورة قاحلة جرداء تغطيها التلال والرمال وقد سر السلطان قايتباى جدا بما أنجزه الأمير أزبك فأنعم عليه بأرض المنطقة مكافأة له علي حسن صنيعه وقد قيل شعر في هذا الإنجاز للأمير أزبك حيث أنشد الشاعر قائلا لأزبك مولانا المقر عمارة – بها السعد يسمو للنجوم الشوابك …..
وقام الأمير أزبك بتشييد دور ومنازل سكنية جميلة حول البركة كان منها سرايته الفخمة التي تم بناؤها عام 1477م كما بني جامع رائع سمى جامع أزبك كان به أعمدة رخامية رشيقة وله مئذنة مكونة من دورين تفصل بينهما شرفة مقرنصة وظل هذا الجامع قائما فى الأزبكية حتي زمن الحملة الفرنسية عام 1798م حيث تحول إلي متجر كبير وبقي هكذا حتي تهدم ثم تم ردم البركة المشار إليها سابقا في عام 1869م فى عهد الخديوى إسماعيل حتي يمكن بناء دار الأوبرا الخديوية وقد إتسع حي الأزبكية إتساعا كبيرا بعد زمن مؤسسه الأمير يزبك نظرا لموقعه المتميزفي وسط مدينة القاهرة وكثرت به الأشجار والحدائق والمتنزهات وأصبح من الأماكن المفضلة لدى أعيان مصر وأمرائها الذين تنافسوا فيما بينهم علي بناء سراياتهم وقصورهم وبيوتهم به فكان أجمل أحياء القاهرة بما يحتويه من سرايات وقصور وحدائق …..
وفي كل عام كان هناك يوم يتم فيه فتح سد البركة أثناء موسم فيضان النيل حتي تمتليء بمياه النيل وكان هذا اليوم يعد يوم عيد تقام فيه الزينات والإحتفالات التي يحضرها الأمراء والأعيان وعامة الشعب وكانت الخيام تنصب حول البركة ويسهر الناس حتي الصباح وهم في فرح وسرور وكانت المراكب الشراعية تدخل بالقناديل فى البركة وكان إلي جانب حي الأزبكية ويحيط به عدة أحياء راقية ففي شماله كان هناك الحي القبطي وهو منطقة محطة مصر بميدان رمسيس حاليا وفي الشرق كان يوجد حى الإفرنج الذى كان يسكنه الأجانب وكان يوجد به بيوت وفنادق ومحلات تجارية وكذلك قنصليات الدول الأوروبية وفى شرق حى الإفرنج كان يوجد حي اليهود والمعروف حاليا بإسم حارة اليهود وفى جنوب الأزبكية كان ومايزال موجودا حى الموسكى وأهم مافيه شارع الموسكى والذى كان يقع ما بين بركة الأزبكية و الخليج المصرى وحتي الآن يوجد جزء من هذا الشارع مابين ميدان العتبة والذى يقع ضمن نطاق حى الأزبكية وشارع الخليج المصرى سابقا شارع بورسعيد حاليا …..
دار الأوبرا الخديوية قبل إحتراقها
وبعد دخول العثمانيين مصر عام 1517م شيد رضوان كتخدا في الأزبكية قصرا كبيرا على حافة بركة الأزبكية الشرقية وأسماه العتبة الزرقاء لأن بوابته التي كانت تؤدي إلي شارع الأزهر كانت زرقاء اللون بالإضافة إلى وجود بلاطات زرقاء فوق عتبته وكان أيضا من أهم القصور التي بنيت فى الأزبكية بعد ذلك القصر الذى بناه على بك الكبير لزوجته الست نفيسة خاتون المرادية فى درب عبد الحق السنباطى المطل على بركة الأزبكية وعاشت به ما بين عام 1773م وعام 1816م وكان يعقد في هذا القصر أول صالون إجتماعى في مصر والشرق الأوسط وقد شاهد هذا القصر أحداث سياسية مهمة جدا في تاريخ مصر وكان يوجد أيضا قصر أحمد الشرابى وكان أحد تجار القاهرة الكبار وكان للقصر قباب مذهبة ونوافذه بها زجاج مزخرف ومنقوش وكانت على عتباته قوارب شراعية ترسو فى بركة الأزبكية وكانت له حدائق واسعة وكان صاحب القصر يسمح لسكان القاهرة بالدخول إلي حدائق القصر للتنزه والفسحة وعلى أرض قصر أحمد الشرابى وأرض البركة التي تم ردمها تم بناء دار الأوبرا الخديوية في زمن الخديوى إسماعيل وكان يوجد بالمنطقة أيضا بيت كبير للفقيه السيد سعودى وقصر للشيخ عبد الله الشرقاوى شيخ الجامع الأزهر الشريف وكان هذا القصر مليء بالتحف القيمة والنفيسة وبه أعداد كبيرة من الكتب المجلدة تجليدا فاخرا ……
وكان من السرايات المشهورة التى كانت تطل على بركة الأزبكية سراية محمد بك الألفى وهو أحد أمراء المماليك وكانت سرايا بديعة تتكون من عدد 3 مبانى جميلة مبنية و سط الحدائق الغناء ولما دخلت جيوش نابليون بونابرت القاهرة أثناء الحملة الفرنسية عام 1798م إستولى نابليون علي هذا القصر وجعله مقرا لسكنه ولقيادته وكذلك إستولي قواده علي ماحوله وحول البركة من قصور وإتخذوها سكنا لهم وللأسف الشديد فمع المقاومة الشعبية العنيفة للمصريين ضد الحملة الفرنسية وجنودها كانت النتيجة تخريب معظم الحدائق وهدم الكثير من السرايات والقصور والبيوت والجوامع وفر المصريون من حى الأزبكية وتركوا بيوتهم ودورهم وقصورهم لنابليون وقواده وجنوده وجدير بالذكر أنه فى حديقة قصر محمد بك الألفي الذى إستولي عليه نابليون قام طالب الأزهر السورى سليمان الحلبى بقتل الجنرال كليبر الذى خلف نابليون بونابرت في قيادة الحملة وتم القبض عليه وحكم عليه بالإعدام علي الخازوق وبالفعل تم تنفيذ الحكم وبعد خروج الحملة الفرنسية من مصر عام 1801م تحول القصر بعد عدة سنوات لفندق كان من أفخم الفنادق في مصر وفي منطقة الشرق الأوسط عموما وهو فندق شبرد القديم الذى بناه رجل الفنادق الشهير صمويل شبرد والذى إحترق بالكامل للأسف الشديد في حريق القاهرة فى يوم 26 يناير عام 1952م وتم بناء فندق آخر بنفس الإسم علي شاطيء النيل بمنطقة جاردن سيتي في منتصف خمسينيات القرن العشرين الماضي …..
وقد زار عدد من الرحالة الأوروبيين القاهرة فى القرن السابع عشر الميلادى ووصفوا ما شاهدوه بأعينهم فى حى الأزبكية وكان منهم الرحالة دى تيفنو الذى زار القاهرة مابين عام 1656م وعام 1658م وذكر أن مياه نهر النيل كانت كل عام تملأ بركة الأزبكية مدة حوالى أربع او خمس شهور وأن ميدان الأزبكية كانت تقام فيه إحتفالات ومهرجانات عامة كبيرة فى مختلف المناسبات فكان يتم تزيين وتجميل الميدان وتنصب فيه سرادقات كبيرة وكان سكان القاهرة يفدون إليه من كل حدب وصوب بأعداد كبيرة ويتجمعون حول الشعراء والمداحين والرواة الذين كانوا يروون ويحكون لهم حكايات تراثية شعبية مثل سيرة أبو زيد الهلالي والزناتي خليفة والزيني بركات وغيرها وذلك علي أنغام الربابة وفى المناسبات الدينية كانت تنظم إحتفالات تسير فيها مواكب الصوفيين رافعين راياتهم ومشاعلهم وقناديلهم …..
جراج الأوبرا الذى تم بناؤه في مكان دار الأوبرا الخديوية بعد إحتراقها
ومن ميدان الأزبكية خرجت جماهير القاهرة في عصر يوم 13 مايو عام 1805م تنادي بمبايعة محمد علي باشا واليا على مصر بدلا من الولاة العثمانيبن الذين عانى منهم الشعب المصري طويلا وبعد تولي محمد علي باشا حكم مصر إختار ميدان الأزبكية ليكون قلب العاصمة الجديدة وأقام فيها في بداية حكمه إلى أن تعرض لمحاولة إغتيال على يد الجنود الأرناؤوط لولا أن جنوده أنقذوه مما دفعه بعد ذلك ليصعد إلى قصره في قلعة الجبل لكن ظلت الأزبكية مسكنا للطبقة العليا مما أكسبها أهمية متزايدة مع مرور الوقت حيث أصبحت مركزا للطبقة الحاكمة ومكانا يمتلئ بالفنَادق والمتنزهات وقد ميزها محمد علي بوجود ديوان المدارس أو وزارة المعارف في ذلك العهد الذي تولي أمره في البداية مصطفي مختار بك ثم أدهم بك وكان ديوان المدارس هذا يحتل قصر الدفتردار في الأزبكية بالإشتراك مع مدرسة الألسن التي أنشئت في التاريخ نفسه وعين رفاعة الطهطاوي ناظرا لها وفي منتصف القرن التاسع عشر الميلادى تم إنشاء مستشفى أهلي بميدان الأزبكية هذا إلى جانب عدد من الفنادق منها فندق شبرد القديم السابق الإشارة إليه وفندق الكونتيننتال بالإضافة إلى فندقي وندسور وإيدن بالاس وفي عهد الخديوى إسماعيل والذى يعتبرالمؤسس الحديث للأزبكية وكان يحلم بتحويل القاهرة إلي باريس الشرق التي نال فيها تعليمه فأقدم علي الأزبكية لتكون قطعة من باريس وأعاد تخطيط ميدان الأزبكية وقد أطلق إسم قصرالعتبة الزرقاء الذي بناه رضوان كتخدا على نصف الميدان وسمي النصف الآخر باسم ميدان أزبك ولكن هذا القصر لم يبق على حاله ففي عهد الخديوي عباس حلمي الثاني حفيد الخديوى إسماعيل تم هدم القصر وأعيد بناؤه مرة أخرى بإسم العتبة الخضراء تبركا باللون الأخضر الذى كان يميزمدخله حيث أن الخديوي عباس حلمي الثاني كان لا يحب اللون الأزرق كما قام الخديوى إسماعيل بشق شارع عبد العزيز ليصل مابين ميدان عابدين ومنطقة الأزبكية وقام ايضا بشق شارع إبراهيم باشا سابقا الجمهورية حاليا لنفس الغرض السابق …..
دار القضاء العالي
وقد أقام الخديوي إسماعيل في طرف الأزبكية الجنوبي مسرحين هما المسرح الكوميدي الفرنسي الذي أنشئ في يوم 2 نوفمبر عام 1867م وإفتتح في يوم 4 يناير عام 1868م تحت إدارة الخواجة منسي وأقام ايضا دار الأوبرا الخديوية عام 1869م لتواكب إحتفالات إفتتاح قناة السويس للملاحة والتي تعرضت للأسف الشديد لحريق أتى عليها بالكامل في شهر أكتوبر عام 1971م وبعد الإنتهاء من تشجير الحديقة وتزيينها وإنارتها عين الخديو مسيو باريليه الفرنسي ناظرا لها ولجميع المتنزهات الأخرى وكانت تقام بالحديقة العديد من الإحتفالات الرسمية والشعبية الكبري للأجانب والمصريين ففي شهر يونيو عام 1887م تم الإحتفال بعيد الملكة فيكتوريا ملكة بريطانيا من قبل الجالية الإنجليزية في مصر وفي شهر يوليو تم إحتفال الجالية الفرنسية بعيد 14 يوليو أما الإحتفالات المصرية في الحديقة فكان أبرزها الإحتفال بعيد الجلوس السلطاني وإحتفال الجمعيات الخيرية والمحافل الماسونية وكانت الموسيقي العسكرية تعزف في الإحتفال الأول إلي جانب إقامة السرادقات في إحتفالات الجمعيات وحفلات المطربين وأشهرهم الشيخ يوسف المنيلاوي وعبده الحامولي ومحمد عثمان وفي عهد وزارة نوبار باشا في أواخر عهد الخديوى إسماعيل فقد تم إستخدام قصر العتبة الخضراء كمقر للمحكمة المختلطة ثم تحول إلى دار القضاء العالي المعروف حاليا في المنطقة التي أطلق عليها ميدان الإسعاف وبعد حريق القاهرة الذي حدث في يوم 26 يناير عام 1952م طرأت على ميدان الأزبكية تغيرات كثيرة فقد تم نقل مكاتب شركات الطيران التي كانت موجودة بفندق شبرد الذي تم تدميره تماما في الحريق إلى ميدان التحرير وتم تقسيم ميدان الأزبكية نفسه بمساحته الهائلة إلى أربعة أماكن تضم حاليا مبنى البنك المركزي الجديد ومحطة بنزين وجراج الجمهورية ومبنيين تابعين لوزارة الشئون الاجتماعية والتأمين الصحي أما حديقة الأزبكية فقد قسمت هي الأخرى وشيد على جزء منها سنترال الأوبرا وإخترقها شارع 26 يوليو فقسمها إلى قسمين …..
مستشفي الهلال
وتبلغ المساحة الكلية لحي الأزبكية حوالي 3 كيلو متر مربع والمساحة المأهولة منه حوالي 1 كيلو متر مربع كما بلغ عدد سكان الحي في بداية عام 2016م حوالي 32250 نسمة ويحد الحي من الشمال حي الظاهر وحي شبرا وحي روض الفرج ومن الجنوب حي عابدين ومن الشرق حي الموسكي وحي باب الشعرية ومن الغرب حي بولاق ومن الملاحظ أنها كلها أحياء عريقة وتعد من اقدم أحياء القاهرة التي واكبت وشاهدت أحداثا هامة في تاريخ مصر كما أننا نتبين من ذلك أن حي الأزبكية كان يتوسط كل هذه الأحياء الهامة مما جعله حلقة وصل هامة جدا بين أحياء القاهرة المختلفة لابد أن يمر بها من يريد الإنتقال بين حي منها والآخر ومن أهم شوارع حي الأزبكية شارع سوق التوفيقية وشارع علي الكسار وشارع نجيب الريحاني وشارع زكريا أحمد وشارع سليمان الحلبي وشارع محمد بك الألفي وشارع الشيخ سيد درويش وشارع عرابي وشارع الهلال الأحمر بالإضافة إلي الجزء الشمالي من شارع الجمهورية والذى يبدأ بعد تقاطعه مع شارع 26 يوليو وأيضا جزء من شارع رمسيس من عند تقاطعه مع شارع 26 يوليو وحتي تقاطعه مع شارع يوسف وهبة باشا حيث تبدأ بعد هذا التقاطع الحدود الإدارية لحي الظاهر ……